!الربا مع الله

 

 

(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)

في الآية 10 من سورة الزمر يعد الله الصابرين بأجربلا حساب.إلا أن البعض يصر على لعب دور المحاسب في تعاملاته الربوية مع رب العالمين و ينسى أو يتناسى أن الثواب على قدر المشقة وأن الكل مستخلف و  إن لم يع ذلك و أن الله المطلع على القلوب يشترط إخلاص النيه أولا و آخرا.وقد جرت عادة العوام و من نهج نهجهم على فصل الحياة عن العبادة و تخصيص العبادات و الطقوس الدينية بالإهتمام و بوصفها غاية بحد ذاتها لا بل و بوصفها الغاية التي لا ينبغي أن يُرجى سواها أو يُقصد وجه الله بغيرها. و على عكس هذا الفهم المسرف في التبسيط للدين يأتي التوجيه القرآني في الآية 162 من سورة الانعام بالتنويه التالي

(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

 فليست الصلاة و المناسك فقط  هي ما يجب ان يكون خالصا لوجه الله بل الحياة بأسرها!  فرحلة الحياة كلها عبادة متواصلة طالما ابتغينا وجه الله فيما نفعل. و الله إنما ابتعثنا إلى الأرض خلفاء لنعمرها لا لنعرض عنها بحجة كنز الحسنات و إغتنام مواسم الطاعات الطقوسية. و ليس فيما نقول تقليلا من شأن العبادات بل العكس. فالعبادات شُرعت لإعانة المؤمنين على خوض غمار هذه الدنيا و إعمارها لا للإعراض عنها و تجنبها بحجة التفرغ لإتقانها. العبادات فرصٌ لشحن البطارية الإيمانية، إن جاز لنا التعبير. دقائقٌ من الصلاة الخاشعة تعيد التوازن و تذكر المصلي بأن عمله لا بد أن يكون خالصا لوجه الله. شهرٌ من الصيام كافٍ لإعادة تأهيل النفس و تهذيب جماح توقها للشهوات و إن كانت مباحة. إخراج الزكاة و هي لا تتجاوز قسطا زهيدا من المال كفيلة بتطهير النفس من أغلال الشح و تحرير الروح من عبودية الدرهم و الدينار. حج بيت الله و لو مرة في العمر كاف لصهر الروح في بوتقة وحدة الأرواح التواقة إلى التواصل مع عالمية هذا الدين ......الخ. العبادات لا تختزل غاية وجودنا بل هي زاد الأرواح في السفر الطويل في رحلة إعمار هذا الكون. الجرّاح في غرفة العمليات عابدٌ ما دام يبتغي وجه الله في عمله و إن أثناه ضنك ما يكابد كل يوم عن التهجد. و الشرطي الذي أضناه السهر على أمن الناس مغفور له وإن فاته ثواب إحياء ليلة القدر. والأم التي أضناها كدح النهار قائمةٌ و إن نامت الليل كله. والمريض الذي أسقمته الأوجاع صائمٌ و إن لم يستطع الإمتناع عن الدواء. والمعلّم الذي أنهكه ترديد الدرس لطلابه مجوّد للقرآن وإن لم يسعفه ما تبقى من قوة صوته لتلاوته.

 الحياة كلها عبادة و اختصار العبادة بالطقوس عادة المحاسبين البخلاء أما أهل الله و خاصته فهم في عبادة ٍلا تفتر و جهادٍ لا ينقطع و ثوابٍ لا يُعد و لا يحصى و نعيمٍ لا يعرف قدره إلا من دخل جنة الدنيا قبل الآخرة. و الله أعلم

 

 

  

Previous
Previous

فتاوى منتهية الصلاحية

Next
Next

عذاب الآخرة أم العذاب بلا آخرة