الشاكين الله كثيراً و الشاكيات
أنا أشتكي إذن أنا موجود! الشكوى وباء العصر و داؤه العضال.مرض يُصيب الصغير الغِرّ كما يُصيب الكبيرالخبير. يصيب الأغنياء كما يصيب الفقراء. يصيب الرجال كما يصيب النساء. لا يُفرّق بين عرق أو جنس أو لون أو دين. والأدهى و الأمر أنه يصيب أصحاب البلاء كما يصيب المترفين المنعّمين على حد سواء
يشتكي الفقير القلة و الغني ضياع راحة البال و المريضُ السقم و المرفه الملل و الناجح تكالبَ الحاسدين عليه و الفاشلُ هوانَه على الناس و الكل يشتكي! تشتكي الأم من تعب الأولاد و العاقر من فقد الأولاد والعائل من كثرة الأولاد و أحياناً من قلتهم .والكل يشتكي! تشتكي الأرملة فقد الزوج و تشتكي الزوجة عدم اهتمام الزوج و العانسُ أن تبقى بلا زوج .و الكل يشتكي ! تشتكي الجميلة غيرة و مكائد قريناتها و تشتكي القبيحة نظرات الدونية و ضياع الحظ والكل يشتكي! تشتكي الشرقية داكن سمرتها و الغربية شاحب بياضها و الكل يشتكي! نشتكي الندم على الفائت و الإنشغال بالحاضر و الخوف من الآتي. والكل يشتكي! حتى (الحمد لله) لا تُقال حين تقال بدون ان تُسبق بنظرة إنكسار و تُتبع بتنهيدة تظّلمٍ تفضح ما سُتره الله بستره. و سبحان الله إن نظرتَ في الناس وجدت أن الشاكر في السّراء شاكرٌ في الضّراء وأن الشاكي في البلوى يظل شاكياً وإن وسعته الرحمة. ولا عسر بلا يسر.ولا شِدة بلا مدد. و لا تكليف بلا أهليه.الشكوى مرآة مسلّطة على بواطن الناس لا على أحوال معيشتهم. بلورةٌ سحريةٌ تكشف الباطن المستور لا الظاهر المعلن . فإن أردت أن تسبر غور إيمان أحدهم المزعوم فاسأله عن حاله. فإن أدام الشكوى فاعلم أنه ليس من أهل الله و خاصته. فما دوام الشكوى إلا من سوء الأدب مع الله الجواد المننان و صدق الله العظيم في كتابه الكريم إذ قال في الآية 13 من سورة سبأ
وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ