ماذا يقول القرآن عن الحجاب؟

 

انتشرت الصورة السابقة في كثير من مواقع التواصل الإجتماعي. و في التشبيه السابق و -إن جاء مغلفاً بحسن النوايا- إهانة و لا شك للنساء و الرجال على حد سواء. فليست النساء حلوى  رخيصة و سلعة للإشتهاء و ليس الرجال ذبابا يحوم حول غير المتحجبات أو حتى غير المحتشمات. و الأهم من ذلك كله ليس الحجاب وسيلة لحماية المرأة من الأخطارو لا ذريعة لإعفاء الرجال من تبعات تصرفاتهم. الحجاب في نهاية المطاف إعلان بصري لطيف و سلمي عن هوية المرأة الدينية و ليس درعا واقيا من رصاص الشهوات المسعورة.

 و يبين القرآن و بوضوح لا يقبل الشك الحكمة في دعوة النساء للإلتزام بالحجاب في الآية 59 من سورة الأحزاب إذ نقرأ

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا

الآية تختصر الجدل حول الغاية من الحجاب بكلمة واحدة ( فلا يُؤذين). فالحجاب يقي النساء من الأذى. و لكن ما هو المقصود من الأذى؟ و لا مفسر للقرآن مثل القرآن

. ففي سورة آل عمران في الآية 111 نقرأ

لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۖ

و قد أجمع المفسرون هنا أن الأذى المقصود في الآية لا يتجاوز الأذى باللسان . و في مكان آخر نقرأ في الآية 222 من سورة البقرة:

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى

و المحيض كما هو معلوم ليس حالة مرضية تتطلب تدخلا طبيا بل هو مرحلة  طبيعية من الضيق و الإنزعاج التي تمر بها النساء.

فالأذى و الذي تحاول النساء تجنبه بارتداء الحجاب لا يتجاوز سوء الفهم من المحيطين بالمرأة و قد يتخذ صورة اهتمام تتلقاه المرأة ممن لا يتقاسمون معها التزامها الجاد بالدين شرعة و منهاجا و أسلوب حياة. قد يتخذ صورة عروض زواج  من رجال لا يرتقون إلى ما تصبو إليه المرأة المحجبة الملتزمة. فالحجاب  في كثير من الحالات يحمي المرأة من تضييع وقتها مع رجال لا يشاركونها نظرتها للحياة الزوجية أو التزامها الديني. فالحجاب شعار المرأة المسلمة. و هو فرض خوطب به الرجال و النساءعلى حد سواء  في مجتمع مدني ملتزم بقوانين مُلزمة و منظومة أخلاقية متبعة. فليس من حق أي رجل التطاول على أيه إمرأة محجبة كانت أو غير محجبه. وقيمة الحجاب تنبع من بداهة رمزيته. فهو تعبير إجتماعي تواصلي بصري يكشف عن التزام المرأة المسلمة و إن لم تتكلم. الحجاب فلسفة  كاملة في الحياة مختزلة في المظهر و هو قائمة غير منطوقة بما تتطلب المرأة الملتزمة من الرجل . الحجاب راية. الحجاب لغة تواصل صادق مع المجتمع. ولاترتدي النساء الحجاب لتحمي أنفسهن من المتحرشين و الخارجين عن القانون أو الهاربين من السجون أو المصحات العقلية ممن لا يستطيعون التحكم في غرائزهم إن أثيروا بل للتواصل مع العقلاء البالغين الراشدين العاقلين من ذوي الأهلية وأصحاب الحق في مشاركة المجتمع الحياة العامة.

 لابد من التنبيه إلى خطورة توضيح المعنى من الأذى و السبب مغالطة راجت و تسببت و ما زالت تتسبب للنساء بالإساءة ليل نهار. و هي الإعتقاد بالحجاب كوسيلة للحماية من  التطاول و التحرش أو حتى الإغتصاب. فالنتيجة الطبيعية لرواج مثل هذا التفسير إتهام النساء غير الملتزمات بالحجاب بالتقصير الملزم  حكما لإثارة الشهوات و تأجيج الغرائز و دفع الرجال إلى ما لا تُحمد عقباه. هذا التفسير يتقنع بوشاح كاذب من الإدعاء بحماية المرأة و لكنه في الحقيقية إعفاء رخيص للرجل من تبعات أفعاله وإن جاوزت القانون.  في نهاية المطاف الحجاب قطعة قماش ليس إلا و إن كانت له مكانة رمزية قيمة لا توازيها قيمه. والهدف من الحجاب هو التواصل الصحي  في مجتمع متعاف يحكمه القانون و الأخلاق و ليس الحماية  في غابة تستبيحُ أعراضَ نسائها الغرائز الهوجاء. لذلك لابد من العودة و لفهم الحجاب إلى ما يقصد القرآن بالأذى أولا و أخيرا. نعم الحجاب يحمي من إضاعة الوقت و سوء الفهم و طلبات الصداقة الخبيثة و وعود الزواج الكاذبة و...الخ. و في كل ذلك أذى للنساء العفيفات الملتزمات. ولكن لا. لا يحمي الحجاب من التحرش و الإغتصاب و المعاكسات الدنيئة ومحاولات تشويه السمعة و تدنيس الأعراض.و هو ليس بديلا عن سن القوانين  الصارمة و فرض العقوبات الزاجرة للتصدي لهذه الجرائم. الحجاب  يحمي المرأة من الأذى- كما يقول القرآن- و لكنه لا يحمي الرجل من طغيان شهوته ولا يعفيه من مسؤولية تصرفاته.و الله أعلم.

للمزيد يمكن مراجعة كتابي الأكاديمي المنشور في أمريكا  2019

 

https://www.amazon.com/Decoding-Egalitarianism-Quran-Retrieving-Lexington/dp/1793609896

 

 

 

Previous
Previous

ما لا نعرفه عن أيوب عليه السلام

Next
Next

 ما معنى تعليم آدم الأسماء كلها؟