ما معنى تعليم آدم الأسماء كلها؟

 

وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33)) )البقرة

في مشهد خلق آدم القرآني المهيب و بعد اختيار الله لآدم خليفةً له في الأرض بنفخ روحه فيه يفاجأنا القرآن بمعجزة تعليم آدم الأسماء كلها. فما هي الأسماء التي تعلمها آدم؟ و لم وقف الملائكة عاجزين عندما تعلم الأسماء حتى اعترفوا بعجزهم بالقول (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا)؟

حيّرهذا المشهد القرآني الكثير من المفسرين. الكثير قال بأن المشهد يشير إلى تعليم آدم أسماء كل الموجودات. و قد انقسمت الآراء فمن قائل بأن آدم تعلم الأسماء دون تعلم ما تشير إليه إلى قائل بتعلم آدم الأسماء و مدلولاتها. البعض مثل الشيخ الشعراوي أشار إلى أن ذلك التعليم ينطبق حتى على الكلمات و المفردات المحدثة و التي لا تخلو أي لغة في تطورها منها. إلا أن الرازي يشير إلى ما اعتبره الرأيَ الأكثر شيوعاً و هو أن الأسماء هنا تشير إلى اللغات البشريه. و يبدوأن تفسير تعليم آدم الأسماء يشير إلى منحه القدرةعلى تعلم اللغات و هو الرأي الأصوب على الغالب.

تؤكد نظريات تعلم اللغة و الأشهر منها هو ما نُسب إلى نعوم تشومسكي على أن تعلم اللغة هو مَلَكة فطرية عند الإنسان. فالطفل يولد مُعّداً أصلا لتعلم اللغة و هو لا يعتمد على البيانات اللغوية المحيطة به قدر إعتماده على ما زُود به فطرياً و هو القدرة على تعلم الكلام. و في هذا تجانس تام مع فهم الآية السابقة و الله أعلم. فالله وهب آدم و -من بعده ذريته بالطبع- القدرة الفطرية على تعلم اللغه و هذا هو تفسير ( الأ سماء)أي اللغات في الآية السابقه.

 و لكن الآية تقدم المزيد من الإعجازات البيانيه. فالله قد علم آدم الأسماء (كلها) و لا بد لنا من التوقف عند هذا                                                                                التعبيرأيضاً!

فالله أعطى  الإنسان القدرة لا على تعلم لغة واحدة بل القدرة الفطرية على تعلم أي لغة طالما كانت لغة بشرية! فالطفل قد يولد في بيئة و ينتقل إلىى بيئة جديدة و يتعلم اللغة الجديدة بنفس المهارة التي قد يتعلم بها لغة والديه.و نعود من جديد إلى نظرية تشومسكي. هذه المرة نعرج على مفهوم "النحو الكوني" الذي  قدمه تشومسكي أيضاً و هو مجموعة من المبادئ النحوية المشتركة بين جميع اللغات البشرية. و هذا النحو الكوني أو القواعد اللغوية المشتركة بين جميع اللغات البشرية هي ما يمكّن الطفل البشري تعلم أي لغة بشرية. فنحن بحسب النظرية الفطرية في اكتساب اللغة معدّون مسبقاً لتلقي و تعلم اللغات البشرية كلها.فاللغة إذن مُلكيّة بشرية مشتركة.و لذلك استخدم القرآن التعبير ( الأسماء كلها) في تأكيد على قدرة الإنسان الفطرية على تعلم كل اللغات البشرية.

 يتبقى اللغز الأخير في مشهدنا القرآني البليغ. فهناك جزئية معضلة لابد لها من تفسير. فمقدرة آدم على تعلم اللغات كما تبين الآية استعصت على الملائكة. فما كان منهم إلا الإستسلام بالقول ( لا علم لنا إلا ما علمتنا) فما دلالةهذا التحدي للملائكة والذي استخدمه الله في قصة خلق و استخلاف آدم؟ لي في هذه المسألة اجتهاد سابق أطرحه هنا بعجاله. فآدم مُنح فطريا المقدرة على تعلم أية لغة بشرية كما يبين القرآن و لكن الملائكة حُرموا من هذه المقدرة و اعترفوا لله أنهم لا علم لهم إلا ما علمهم الله. و ذلك لأن اللغة ميزة إنسانية كما يؤكد تشومسكي، أي ملكة يختص بها البشر دون غيرهم من الكائنات الحيّة. وفرادة اللُّغة البشرية تعني تميزها عن باقي أنظمة التواصل بين الكائنات. وفي هذه الفرضية الحديثة إنسجام آخرمع ماورد في القرآن وفيه تفسير لما ألغز الملائكة حين التجأوا إلى الله لمّا عجزوا عن فهم ما زُود به آدم وعجزوا عن فهم لغة آدم.

 هذا الإجتهاد و كطبيعة كل اجتهاد ما هو إلا محاولة لفهم وجه آخر من وجوه الإعجاز البياني في القرآن. و لا يُعتمد على العلم للوصول إلى يقين فيما يتعلق بالوحي. فالنظريات العلمية تصيب و تخطئ و ما تاريخ العلم إلا سلسلة لا تنتهي من تصويب و تعديل و تجاوز. و الله أعلم .

للمزيد يمكن مراجعة كتابي الاكاديمي المنشور في أمريكا

On Pain and Suffering: A Qur'anic Perspective (Lexington Studies in Islamic Thought) Paperback – April 8, 2024

https://www.amazon.com/Pain-Suffering-Quranic-Perspective-Lexington/dp/1793650071/ref=tmm_pap_swatch_0?_encoding=UTF8&qid=&sr=

  

Previous
Previous

ماذا يقول القرآن عن الحجاب؟

Next
Next

ما الفرق بين إبليس و الشيطان في القرآن؟