!آدم يخطأ و حواء تلام

  

بتأثير من الإسرائيليات ساد التفاسير القرآنية و إلى وقت قريب الإعتقاد بحواء و بوصفها المذنبة الأولى و الأخيرة في قصة عصيان النبي آدم و أكله من الثمرة المحرمه. و يبدو أن التحيز الذكوري لبراءة آدم عليه السلام المنافي للقصة القرآنية قد راق للأوساط التفسيرية الذكورية والتي سارعت لتبني القصة بدون كثير تمحيص. و مما لا يخفى على أحد اليوم الثورة التي شهدتها الدراسات القرآنية الحديثة و المراجعة الدقيقة لما يقول القرآن فعلا عن الدور الذي لعبته حواء في قصة العصيان الأول. فالزوجان أكلا من الثمرة المحرمة معاً و ندما معا و استغفرا لذنبهما معاً. و إن كان آدم و ليس حواء هو من بادر بالأكل من الثمرة لتتبعه في ذلك زوجه. فالمسؤؤلية مشتركة فيما يتعلق بمن قام بالفعل. و لكن القرآن يشير إلى آدم و ليس حواء بأصابع الإتهام فيما يتعلق بالمبادرة و ليس العكس و كما تقول القصة التقليدية المقتبسة من الإسرائليات.

ففي سورة البقرة في الآية 37 ينهي البيان القرآني قصة الغواية بالتأكيد على التوبة على آدم.

فتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ

 

و اختصاص آدم بالتوبة فيما يتعلق بذنب اقترفه سوية مع حواء إشارة قرآنية و لا شك إلى أن آدم و على الأقل من وجهة نظر القرآن بوصفه الملام و من ثم المستحق للتخصيص بالتوبة. إلا أن الإشارة القرآنية الأهم و التي تؤكد على ما نقول تاتي من استبدال بليغ لحرف الجر في الآيتين التاليتين:

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ

(طه:120)

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ

( الاعراف:20)

فالشيطان في مهمته المحموة لغواية آدم و حواء حاول مراراً و تكراراً الوسوسة إلى الزوجين. إلا ان القرآن و ببلاغة لا متناهيه يأخذنا في جولة في سيكولوجيا الشيطان إن جاز لنا التعبير و يبدي لنا ما خفي علينا من القصة عندما يشير إلى وسوسة الشيطان لآدم باستخدام حرف الجر (إلى) في ( فوسوس إليه الشيطان) و يستبدل ذلك باستخدام حرف الجر( ل) في وسوسة الشيطان لآدم و حواء معاً في ( فوسوس لهما). فما هو الفرق بين التعبيرين؟ الشيطان في وسوسته لآدم  و كما يعبر القرآن باستخدام حرف الجر ( إلى) كان يعتبر آدم وجهته النهائيه و مقصده الأخير. و كأنه كان يعلم ان مهمته لن يكتب لها النجاح بدون اقناع آدم أولاً. و لذلك استخدم القرآن التعبير ( فوسوس إليه الشيطان) . و القرآن يستخدم اللام كحرف جر للتأكيد على مفهوم المقصد النهائي او الأخير كما نجد في الآية 4 من سورة يونس

إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا    

فاقناع آدم و الذي ستتبعه زوجه بفعل ما يفعل كان الإستراتيجية التي اتبعها الشيطان في خطة الغواية التي اتبعها و كما يكشف لنا القرآن و هو ما حدث بالفعل. و لذلك استخدم القرآن ( فوسوس لهما) و لم يقل ( فوسوس إليهما) كما فعل في الإشارة إلى وسوسة الشيطان لآدم منفرداً.

هذه اللفتة القرآنية ليست إعفاء لحواء من تبعات المعصية بل تبرئة قرآنية  لها من ذنب المبادرة و الله أعلم.

للمزيد يمكن مراجعة كتابي الأكاديمي المنشور في عام 2019 في أمريكا

 

https://www.amazon.com/Decoding-Egalitarianism-Quran-Retrieving-Lexington/dp/1793609896

 

Previous
Previous

استحالة زواج الرسول (ص) من قاصر بالبرهان القرآني

Next
Next

Muslim Women and the right to vote.